فصل: سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمئة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: العبر في خبر من غبر (نسخة منقحة)



.سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمئة:

فيها كاتب المتّقي بني حمدان، ليحكم توزون على بغداد، فقدم الحسين بن سعيد بن حمدان، في جيش كثف، فخرج المتقي وآله ووزيره، وساروا إلى تكريت، ظناّ منهم أن سيف الدولة يوافيه بتكريت فيردون، ثم قدم سيف الدولة على المتّقي، وأشار بأن يصعد إلى الموصل، فتألم المتّقي وقال: ما على هذا عاهدتموني فقلّل أصحابه وبقي في طائفة، وجاء توزون فاستعد للحرب ببغداد، فجمع ناصر الدولة جيشي الأعراب والأكراد، وسار إلى تكريت، ثم وقع القتال أياماً، فانهزم الخليفة والحمدانية إلى الموصل، ثم عملوا مصافاً آخر على حربه، فانهزم سيف الدولة، فتبعه توزون، فانهزم بنو حمدان والمتقي لله، إلى نصيبين، واستولى توزون على الموصل، وأخذ من أهلها مائة ألف دينار مصادرة، فراسل الخليفة توزون في الصُّلح، واعتذر بأنه ما خرج عن بغداد، إلا لما قيل إنك اتفقت أنت والبريدي عليّ، والآن فقد آثرت رضاي، فصالح ابني حمدان، وأنا أرجع إلى داري، فأجاب إلى الصُّلح، لأن أحمد بن بويه، وصل إلى واسط، يريد بغداد، فجاء شيء لم يكن في حساب الفريقين، وكاتب المتّقي الإخشيد ليقدم، فجاء إليه من مصر، فاجتمع به بالرقّة، وبان للمتّقي من الحمدانية الملل والضجر، فراسل توزون، فقال له الإخشيد: يا أمير المؤمنين، أنا عبدك، وقد عرفت غدر الأتراك وفجورهم، فسر معي إلى الشام ومصر، فهي لك، وتأمن على نفسك، فلم يقبل. فقال: فأقم ها هنا وأمدك بالأموال والرّجال، فأبى. فردَّ الإخشيد إلى الشام.
وفيها قتل أبو عبد الله البريدي أخاه أبا يوسف لكونه عامل عليه ابن بويه، ونسبه إلى الظلم. ولم يحجّ الرَّكب، لموت القرمطي الطاغية، أبي طاهر سليمان بن أبي سعيد الجنَّابي، في رمضان بهجر، من جدريّ أهلكه، فلا رحم الله فيه مغرز إبرة، وقام بعده أبو القاسم الجنّابي.
وفيها توفي أحمد بن عمرو بن جابر الحافظ، أبو بكر الطّحان بالرَّملة، روى عن العباس بن الوليد البيروتي وطبقته، وسمع بالشام والجزيرة والعراق.
وأبو عمرو أحمد بن محمد بن إبراهيم بن حكم، أبو المديني الأصبهاني رحل إلى الشام والعراق والرَّي، وروى عن ابن دارة، ويحيى بن أبي طالب، وكان جيّد المعرفة بالحديث والعربية.
والحافظ ابن عقدة، أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي الشِّيعي، أحد أركان الحديث، سمع الحسن بن علي بن عفّان، ويحيى بن أبي طالب وطبقتهما، ولم يرحل إلى غير الحجاز وبغداد، لكنه كان آية من الآيات في الحفظ. حتى قال الدَّارقطني: أجمع أهل بغداد أنه لم ير بالكوفة من زمن ابن مسعود رضي الله عنه، إلى زمن ابن عقدة، أحفظ منه، وقد سمعته يقول: أنا أجيب في ثلاثمئة ألف حديث، من حديث أهل البيت وبني هاشم، وروي عن ابن عقدة قال: أحفظ مئة ألف حديث بإسنادها، وأذاكر بثلاثمئة ألف حديث.
وقال أبو سعيد الماليني: تحوّل ابن عقدة مرّة، فكانت كتبه ستمئة حمل جمل.
قلت: ضعّفوه، واتّهمه بعضهم بالكذب، وقال أبو عمر بن حيويه: كان يملي مثالب الصحابة، فتركته.
وفيها محمد بن بشير، أبو بكر الزُّبيري العكبري. روى عن بحر بن نصر الخولاني وجماعة، وعاش أربعاً وثمانين سنة.
وفيها محمد بن الحسين، أبو بكر القطّان النَّيسابوري، في شوال، روى عن عبد الرحمن بن بشير، وأحمد بن يوسف السُّلمي والكبار.
وفيها محمد بن محمد بن أبي حذيفة، أبو علي الدمشقي المحدث، روى عن أبي أميّة الطَّرسوسي وطبقته، وقع لنا جزء من حديثه.
وفيها الإمام ابن ولاد النحوي، وهو أبو العباس أحمد بن محمد بن الوليد التَّميمي المصري، مصنّف كتاب الانتصار لسيبويه على المبرد وكان شيخ الديار المصرية في العربية، مع أبي جعفر النحاس.

.سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمئة:

حلف توزون أيماناً صعبة للمتقي بالله فسار من الرقَّة واثقاً بإيمانه في المحرم، فلما قرب من الأنبار، جاء توزون، وتلقّاه وقبّل الأرض، وأنزله في مخيَّم ضرب له، ثم قبض على الوزير أبي الحسين بن أبي علي بن مقلة، وكحل المتّقي بالله، فصاح المسكين فصرخ النساء، فأمر توزون يضرب بالدبادب حول المخيم، وأدخل بغداد مسمولاً مخلوعاً، وبويع عبد الله بن المكتفي، ولقّب بالمستكفي بالله فلم يحل الحول على توزون، واستولى أحمد بن بويه على واسط والبصرة والأهواز، فسار توزون لحربه، فدام القتال والمنازلة بينهما أشهراً، وابن بويه في استظهار، ومرض توزون بعلّة الصَّرع، واشتد الغلاء على ابن بويه، فردّ إلى الأهواز، وردّ توزون إلى بغداد، وقد زاد به الصرع.
وفيها تملك سيف الدَّولة بن حمدان حلب وأعمالها، وهرب متولّيها يانس المؤنس إلى مصر، فجهز الإخشيذ جيشاً، فالتقاهم سيف الدولة على الرَّستن فهزمهم وأسر منهم ألف نفس، وافتتح الرَّستن، ثم سار إلى دمشق فملكها. فسار الإخشيذ ونزل على طبريّة، فخامر خلق من عسكر سيف الدولة إلى الإخشيذ، فردَّ سيف الدّولة وجمع وحشد، فقصده الإخشيد، فالتقاه بقنَّسرين وهزمه، ودخل حلب، وهرب سيف الدولة.
وأما بغداد، فكان بها قحطٌ لم ير مثله، وهرب الخلق، فكان النساء يخرجن عشرين وعشراً، يمسك بعضهنّ ببعض، ويصحن: الجوع الجوع، ثم تسقط الواحدة بعد الواحدة ميتة، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وفي شوال، مات أبو عبد الله البريدي، وقام أخوه أبو الحسين مقامه، فأساء إلى الترك والدّيلم، فهموا به، وقدَّموا به، عليهم أبا القاسم، ولد أبي عبد الله، فهرب عمداً أبو الحسين ماشياً، فأتى هجر، واستجار بالقرامطة، فبعثوا معه جيشاً، فنازل البصرة مدّة، ثم اصطلحوا، فمضى أبو الحسين إلى بغداد.
وفيها توفي الحافظ أبو بكر أحمد بن عمرو بن جابر الطحّان بالرَّملة، ورحل إلى الشام والجزيرة والعراق، وروي عن العباس بن الوليد البيروتي وطبقته.
وفيها أبو عمرو أحمد بن محمد بن إبراهيم بن حكيم المديني الأصبهاني، رحل إلى الشام والعراق، والريّ، روى عن يحيى بن أبي طالب وأبو عمرو بن حكم وأبي حاتم وطبقتهما.
وفيها أبو علي اللُّؤلؤي، محمد بن أحمد بن عمرو البصري، راوية السنن عن أبي داود، لزم أبا داود مدة طويلة، يقرأ السُّنن للناس.

.سنة أربع وثلاثين وثلاثمئة:

فيها دثرت بغداد، وتداعت لخراب من شدة القحط والفتن والجور، فإن توزون، أتابك الجيوش، هلك بعلّة الصرع في المحرم، بهيت،
ومعه كاتبه أبو جعفر بن شيرزاد فطمع في المملكة، وحلف العساكر لنفسه، وجاء فنزل بظاهر بغداد، وخرجت إلى عنده الأتراك والدَّيلم، فبعث إليه المستكفي بالله بالخلع، ولم يكن معه مال، فشرع في مصادرة التجار والدواوين.
وفيها اصطلح سيف الدولة والإخشيد وصاهره، وتقرر لسيف الدولة حلب وحمص وأنطاكية، وقصد معزّ الدولة أحمد بن بويه بغداد، فاختفى الخليفة وابن شيرزاد، وضعفا عنه، فتسللت الأتراك إلى الموصل، وأقامت الدَّيلم ببغداد، ونزل معزّ الدولة بباب الشماسيّة، وقدّم له الخليفة التقاديم والتحف، ثم دخل في جمادي الأولى، إلى خدمة الخليفة وبايعه، فلقَّبه يومئذ معز الدولة، ولقَّب إخوته عليّا: عماد الدولة، والحسن: ركن الدولة، وضربت لهم السكّة، وظهر ابن شيرازاد وأتى إلى خدمة معز الدولة، وخضع له، واستوتقت المملكة لمعز الدولة، فلما تمكن كحل المستكفي بالله وخلعه من الخلافة، لأن علم القهرمانة، كانت تأمر وتنهى، وعملت دعوة عظيمة، حضرها خرشيذ، مقدّم الديلم، وعدة أمراء، فخاف معز الدولة من غائلتها، وأيضاً فإن بعض الشيعة كان يثير الفتن، فآذاه الخليفة، وكان معز الدولة يتشّيع، فلما كان في شهر جمادي الآخرة، دخل الأمراء إلى الخدمة، ودخل معزّ الدولة، فتقدم اثنان فطلبا من المستكفي رزقهما، فمدّ لها يده ليقبّلاها، فجذباه إلى الأرض وسحباه، فوقعت الضجّة، ونهبت دور الخلافة، وقبضوا على علم، وعلى خواصّ الخليفة، وساقوا الخليفة ماشياً إلى دار معز الدولة وكانت خلافته سنة وأربعة أشهر وصار ثلاثة خلفاء مسمولين، وهو والذي قبله والقاهر، ثم أحضر معزّ الدولة أبا القاسم الفضل بن المقتدر بالله فبايعه ولقَّبه المطيع لله، وله يومئذٍ أربع وثلاثون سنة، وقرر له معز الدولة كل يوم، مائة دينار للنفقة، وانحط دست الخلافة إلى هذه المنزلة، وإيش هي المائة دينار؟ وما هي إلا بقيمة عشرة دنانير في الرخاء، فإن في شعبان، أكلوا ببغداد الميتات والآدميين، ومات الناس على الطرق، وبيع العقار بالرُّغفان. واشترى المطيع كرَّ دقيق بعشرة الآن ألف درهم، وجيّش ناصر الدولة ابن حمدان، وجاء فنزل بسامرّا، فالتقى هو ومعز الدولة، فانكسر معز الدولة، ودخل ناصر الدولة بغداد، وملك الجانب الشرقي، ونزل معز الدولة، ومعه المطيع تبعاً له، ثم تخاذل عسكر ناصر الدولة، فانهزم. ودخل معز الدولة إلى الجانب الشرقي، ووقع النَّهب والحريق فيه، ووضعت الدَّيلم السيف في الناس، وسبوا الحريم.
وفيها توفي قاضي القضاة، أبو الحسن أحمد بن عبد الله الخرقي، ولي قضاء واسط، ثم قضاء مصر، ثم قضاء بغداد، في سنة ثلاثين، وكان قليل العلم إلى الغاية، إنما كان هو وأبوه وأهله من كبار العدول، فتعجّب الناس من ولايته، لكنه ظهرت منه صرامة وعفة وكفاءة.
وفيها أبو الفضل أحمد بن عبد الله بن نصر بن هلال السُّلمي الدمشقي، في جمادى الأولى، وله بضعٌ وتسعون سنة، تفرّد بالرواية عن جماعة، وحدّث عن موسى بن عامر المرِّي، ومحمد بن إسماعيل بن عليَّة، وطبقتهما.
وفيها الصَّنوبري الشاعر، أبو بكر أحمد بن محمد بن الحسن الضبِّي الحلبي، وشعره في الذروة العليا.
وفيها الحسين بن يحيى بن عيّاش، أبو عبد الله المتُّوثي القطَّان، في جمادي الآخرة ببغداد، وله خمس وتسعون سنة. روى عن أحمد بن المقدام العجلي وجماعة، وآخر من حدَّث عنه، هلال الحفّار.
وفيها عثمان بن محمد، أبو الحسين الذَّهبي البغدادي بحلب، روى عن أبي بكر بن أبي الدنيا وطبقته.
وفيها علي بن إسحاق المادرائي أبو الحسن، محدّث البصرة. روى عن عليّ بن حرب وطائفة.
وفيها الوزير العادل، أبو الحسن علي بن عيسى بن داود بن الجرّاح البغدادي الكاتب، وزر مرّات للمقتدر، ثم للقاهر. وكان محدّثاً عالماً ديّنا حيّرا، كبير الشأن، عالي الإسناد. روى عن أحمد بن بديل، والحسن الزَّعفراني وطائفة، وعاش تسعين سنة، وكان في الوزراء، كعمر بن بن عبد العزيز في الخلفاء.
قال أحمد بن كامل القاضي: سمعت الوزير علي بن عيسى يقول: كسبت سبعمئة ألف دينار، أخرجت منها في وجوه البرّ ستمئة ألف، وثمانين ألف دينار. آخر من روى عنه، ابنه عيسى في أماليه.
وفيها الإمام أبو القاسم الخرّقي، عمر بن الحسين البغدادي الحنبلي، صاحب المختصر في الفقه بدمشق، ودفن بباب الصغير.
وفيها الحافظ أبو علي القشيري، محمد سعيد الحرّاني، نزيل الرقَّة ومؤرخها، روى عن سليمان بن سيف الحراني وطبقته، وتوفي في هذا العام أو فيما بعده.
وفيها الإخشيذ، أبو بكر محمد بن طغج بن جفّ التركي الفرغاني، صاحب مصر والشام، ولي ديار مصر سنة إحدى وعشرين، ثم أضيف إليه دمشق وغيرها في سنة ثلاث وعشرين.
والإخشيذ بالتركي: ملك الملوك؛ وطغج عبد الرحمن، وهو من أولاد ملوك فرغانة، وكان جدّه جفّ، من الترك الذين حملوا إلى المعتصم، فأكرمه وقرّبه ومات في العام الذي قتل فيه المتوكل، فاتصل طغج بابن طولون، وصار من كبار أمرائه، وكان الإخشيذ، شجاعاً حازماً يقظاً شديد البطش، لا يكاد أحد يجرُّ قوسه، توفي بدمشق في ذي الحجة، وله ست وستون سنة، ودفنوه ببيت المقدس. وكان له ثمانية آلاف مملوك وفيها القائم بأمر الله أبو القاسم نزار بن المهدي عبيد الله، الدَّعي الباطني، صاحب المغرب، وقد سار مرتين إلى مصر ليملكها، فما قدِّر له، وجرت له أمور يطول شرحها، ومات بالمهديّة في شوال، وهو تحت حصار مخلد بن كيداد البربري له، وكان مولده بسلميّة في حدود الثمانين ومئتين، وقام بعده ابنه المنصور إسماعيل.
وفيها الشَّبلي أبو بكر الزاهد، صاحب الأحوال والتصوف، قرأ في أول أمره الفقه، وبرع في مذهب مالك، ثم سلك وصحب الجنيد، وكان أبوه من حجّاب الدولة، ورد أنه سئل: إذا اشتبه على المرأة دم الحيض، بدم الاستحاضة، كيف تصنع؟ فأجاب بثمانية عشر جواباً للعلماء.

.سنة خمس وثلاثين وثلاثمئة:

فيها ملك سيف الدَّولة دمشق، بعد موت الاخشيذ فجاءته جيوش مصر، فدفعته إلى الرقَّة بعد حروب وأمور، واصطلح معز الدولة بن بويه وناصر الدولة بن حمدان.
وفيها توفي أبو العباس بن القاصّ أحمد بن أبي أحمد الطبري الشافعي، وله مصنفات مشهورة تفقه على ابن سريج.
وفيها المطيري المحدث أبو بكر محمد بن جعفر الصيرفي ببغداد، وكان ثقة مأموناً. روى عن الحسن بن عرفة وطائفة.
وفيها الصولي أبو بكر محمد بن يحيى البغدادي الأديب الأخباري العلامة، صاحب التصانيف، أخذ الأدب عن المبرّد وثعلب، وروى عن أبي دود السِّجستاني وطائفة، ونادم غير واحد من الخلفاء، وجدّه الأعلى هو صول، ملك جرجان.
وفيها الهيثم بن كليب، الحافظ أبو سعيد الشَّاشي،صاحب المسند، ومحدث ما وراء النهر، روى عن عيسى بن أحمد البلخي، وهو ثقة.

.سنة ست وثلاثين وثلاثمئة:

فيها سار المطيع ومعز الدولة إلى البصرة، لمحاربة أبي القاسم بن أبي عبد الله البريدي فتفرق جمعه وهرب إلى القرامطة، ودخل معز الدولة البصرة، وأقطع المطيع منها ضياعاً.
وفيها ظفر المنصور العبيدي، بمخلد بن كيداد، وقتل قوّاده، ومزّق جيشه.
وفيها توفي الحافظ أبو الحسين بن المنادي، وهو أحمد بن جعفر، بن الشيخ أبي جعفر محمد بن أبي داود عبيد الله البغدادي، وله ثمانون سنة، صنّف وجمع، وسمع من جدَّه، وخلق كثير.
وفيها حاجب بن أحمد بن يرحم أبو محمد الطوسي، وهو معمَّر ضعيف الحديث، زعم أنه ابن مائة وثمان سنين. وحدّث عن محمد بن رافع، والذُّهلي، والكبار.
وفيها أبو العباس الأثرم، محمد بن أحمد ب أحمد بن حماد المقرئ البغدادي، وله ست وتسعون سنة، روى عن الحسن بن عرفة، وعمر بن شبَّة والكبار وتوفي بالبصرة.
والحكيمي محمد بن أحمد بن إبراهيم الكاتب ببغداد، في ذي الحجة، روى عن زكريا بن يحيى المروزي وطبقته.
والميداني أبو علي محمد بن أحمد بن محمد بن معقل النيسابوري، في رجب فجأة، وكان عنده جزء من الذُّهلي، وهو الذي تفرّد به سبط السَّلفي.
وفيها أبو طاهر المحمَّد أباذي محمد بن الحسن بن محمد النيسابوري، أحد أئمة اللسان. روى عن أحمد بن يوسف السُّلمي وطائفة، وببغداد عن عباس الدُّوري وذويه، وكان إمام الأئمة ابن خزيمة، إذا شك في لغة سأله.

.سنة سبع وثلاثين وثلاثمئة:

فيها كان الغرق ببغداد، وبلغت الدجلة، أحدا وعشرين ذراعاً، وهلك خلق تحت الهدم.
وفيها قوي معزّ الدولة، على صاحب الموصل ابن حمدان وقصده، ففرّ ابن حمدان إلى نصيبين، ثم صالحه على حمل ثمانية آلاف ألف في السنة.
وفيها خرجت الروم لعنهم الله، وهزموا سيف الدولة على مرعش وملكوا مرعش.
وفيها توفي أبو إسحاق القرميسيني، إبراهيم بن شيبان شيخ الصوفية ببلاد الجبل، صحب إبراهيم الخواص، وساح بالشام، ومن قوله: علم الفناء والبقاء، يدور على إخلاص الوحدانية وصحة العبوديّة، وما كان غير هذا، فهو من المغاليط والزندقة.
وفيها محمد بن علي بن عمر، أبو علي النَّيسابوري المذكّر، أحد الضعفاء، سمع من أحمد بن الأزهر وأقرانه، ولو اقتصر عليهم لكان منه خير، ولكنه شره وحدَّث عن محمد بن رافع والكبار. فترك.

.سنة ثمان وثلاثين وثلاثمئة:

فيها ولي قضاء القضاة، أبو السائب عتبة بن عبد الله، ولم يحجَّ ركب العراق.
وفيها توفي المستكفي بالله أبو القاسم عبد الله بن المكتفي بالله علي، بن المعتضد بالله بن الموفق أحمد العباسي، الذي استخلف وسمل في سنة أربع وثلاثين كما ذكر وحبس حتى مات بنفث الدّم، وله ست وأربعون سنة، وكان أبيض جميلاً، ربعة أكحل أقنى خفيف العارضين، وأمُّه أمة.
وفيها أحمد بن سليمان بن زبّان، أبو بكر الكندي الدمشقي الضرير، ذكر أنه ولد سنة خمس وعشرين ومئتين، وأنه قرأ على أحمد بن يزيد الحلواني، وأنه سمع من هشام بن عمّار، وابن أبي الحواري. روى عنه تمّام الرّازي، وعبد الرحمن بن أبي نصر، ثم تركا الرواية عنه، لما تبيّن أمره.
قال الحافظ عبد الغني بن سعيد الأزدي. كان غير ثقة. وقال عبد العزيز الكتّاني: كان يعرف بابن زبّان العابد، لزهده وورعه.
وفيها أبو جعفر النحّاس، أحمد بن محمد بن إسماعيل المصري النحوي، وكان ينظر بابن الأنباري ونفطويه ببلده، له تصانيف كثيرة، وكان مقتّراً على نفسه، في لباسه وطعامه، توفي في ذي الحجة.
وفيها إبراهيم بن عبد الرزّاق الأنطاكي المقرئ، مقرئ أهل الشام في زمانه. قرأ على قنبل، وهارون الأخفش، وعثمان بن خرّزاذ، وصنّف كتاباً في القراءات الثمان، وروى الحديث عن أبي أميّة الطَّرسوسي وطائفة، وقيل توفي في السنة الآتية.
وفيها أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن أحمد بن أبي ثابت السَّامري القاضي، نزيل دمشق ونائب الحكم بها، وصاحب الجزء المشهور، روى عن الحسن بن عرفة، وسعدان بن نصر، وطائفة من العراقيين والشاميين والمصريين، وثَّقة الخطيب، وتوفي في ربيع الآخر.
وفيها أبو علي الحضائري، الحسن بن حبيب الدمشقي الفقيه الشافعي. روى عن الربيع بن سليمان، وابن عبد الحكم، وحدّث بكتاب الأم للشافعي. قال الكتّاني: هو ثقة، أنبل حافظ لمذهب الشافعي، مات في ذي القعدة.
وفيها عماد الدولة، أبو الحسن علي بن بويه بن فناخسرو الدَّيلمي، صاحب بلاد فارس، وهو أول من ملك من أخوته، وكان الملك معز الدولة أحمد أخوه، يتأدب معه، ويقدّمه على نفسه، عاش بضعاً وخمسين سنة، وكانت أيامه ست عشرة سنة، وملك فارس، بعد ابن أخيه عضد الدولة، ابن ركن الدولة.
وفيها علي بن محمد، البصري أبو الحسن الواعظ، هو بغداديّ أقام بمصر مدّة. روى عن أحمد بن عبيد بن ناصح، وأبي يزيد القراطيسي وطبقتهما. وكان صاحب حديث، له مصنّفات كثيرة في الحديث والزهد، وكان مقدّم زمانه في الوعظ، مات في ذي القعدة.
وفيها علي بن حمشاذ، أبو الحسن النَّيسابوري الحافظ، أحد الأئمة، سمع الفضل بن محمد الشَّعراني، وإبراهيم بن ديزيل وطبقتهما، ورحل وطوّف وصنّف، وله مسند كبير، في أربعمائة جزء، وأحكام في مئتين وستين جزءاً، وتفسير في مئتي جزءٍ، توفي فجأة في الحمّام، وله ثمانون سنة.
قال أحمد بن إسحاق الضبُّعي: صحبت علي بن حمشاذ في الحضر والسفر، فما أعلم أن الملائكة كتبت عليه خطيئة.
وفيها محمد بن عبد الله بن دينار، أبو عبد الله النَّيسابوري، الفقيه الرجل الصالح، سمع السَّري رحمه الله بن خزيمة واقرانه. قال الحاكم: كان يصوم النهار، ويقوم الليل، ويصبر عل الفقر، ما رأيت في مشايخنا أصحاب الرأي أعبد منه.

.سنة تسع وثلاثين وثلاثمئة:

فيها دخل سيف الدولة بن حمدان بلاد الروم، في ثلاثين ألفاً، فافتتح حصوناً، وسبى وغنم، فأخذت الروم عليه الدروب، فاستولوا على عسكره قتلا وأسراً، ونجا هو في عدد قليل، ووصل من سلم بأسوأ حال.
وفيها أعادت القرامطة، الحجر الأسود إلى مكانه، وكان الأمير بجكم قد دفع لهم فيه خمسين ألف دينار فأبوا.
وفيها توفي الحافظ أبو محمد أحمد بن محمد بن إبراهيم الطّوسي البلاذري، روى عن محمد بن أيوب بن الضُّريس وطبقته. قال الحاكم: كان واحد عصره في الحفظ والوعظ، خرج صحيحاً على وضع مسلم.
وفيها حفص بن عمر الأردبيلي، أبو القاسم الحافظ، محدّث أذربيجان، وصاحب التصانيف. روى عن أبي حاتم الرّازي، ويحيى بن أبي طالب، وطبقتهما.
وفيها قاضي الإسكندرية، علي بن عبد الله بن أبي مطر المعافري الإسكندراني، الفقيه أبو الحسن المالكي، وله مئة سنة، روى عن محمد بن عبد الله بن ميمون، صاحب الوليد بن مسلم، وغيره.
وفيها القاضي ابن الأشناني، أبو الحسين عمر بن الحسن ببغداد، روى عن محمد بن عيسى بن حبّان المدائني، وابن أبي الدنيا، وعدّة، ضعفَّه الدَّارقطني.
وفيها أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أحمد ابن بطة الأصبهاني الصفّار. روى عن أسيد بن عاصم، وابن أبي الدنيا وطبقتهما.
وصنّف في الزهد وغيره، وصحب العبّاد، وكان من أكثر الحفّاظ حديثاً.
قال الحاكم: هو محدّث عصره ومجاب الدعوة، لم يرفع رأسه إلى السماء كما بلغنا نيّفاً وأربعين سنة توفي في ذي القعدة، وله ثمان وتسعون سنة، رحمه الله وفيها القاهر بالله أبو منصور محمد، بن المعتضد بالله أحمد، بن طلحة بن جعفر العباسي، سلمت عيناه، وخلع في سنة اثنتين وعشرين، وكانت خلافته، سنة وسبعة أشهر، وكان ربعة أسمر أصهب الشعر طويل الأنف، ظالماً فاتكاً، سيئ السيرة، وكان تارة بعد الكحل يحبس، وتارة يترك، فوقف يوماً بجامع المنصور بين الصفوف، وعليه مبطنة بيضاء، وقال: تصدّقوا عليّ، فأنا من قد عرفتم، فقام أبو عبد الله بن أبي موسى الهاشمي، فأعطاه خمسمئة درهم، ثم منع لذلك من الخروج، فقيل إنه أراد أن يشنِّع بذلك على المستكفي بالله ولعلّه فعل ذلك يف أيام القحط، توفي في جمادى الأولى، وله ثلاث وخمسون سنة.
وفيها محدّث بغداد، أبو جعفر محمد بن عمرو ابن البختري الرزّاز، وله ثمان وثمانون سنة، روى عن سعدان بن نصر ومحمد بن عبد الملك الدَّقيقي وطائفة.
وفيها أبو نصر الفارابي، صاحب الفلسفة، محمد بن محمد طرخان التركي، ذو المصنّفات المشهورة في الموسيقى التي من ابتغى الهدى فيها أضلّه الله، وكان مفرط الذكاء، قدم دمشق ورتّب له سيف الدولة كل يوم، أربعة دراهم إلى أن مات، وله نحو من ثمانين سنة.